إذا كانت الحرية بمعناها الشامل تأتي في أولوية المطالبات السياسية والفكرية في منطقتنا العربية، فإن قضية تحرر المرأة وتمكينها لا يقلان أهمية، حيث إن المرأة العربية مازالت تعاني من التمييز في التعاملات المجتمعية والوظيفية والحكومية على الرغم من سعي الحكومات العربية لتعليمها وتمكينها في هذه المجالات المختلفة، وهذا التمييز ربّما يرجع في جذره الأساسي إلى الثقافة الذكورية المتجذرة في تربتنا منذ أقدم الأزمان، فلم تتمكّن الأفكار العظيمة والتطوّر الكبير في حياتنا الجديدة من إزاحتها والدفع بقضية الحرية والمساواة إلى الأمام، وذلك لجملة من العوامل والأسباب لا يسعنا المقام هنا لتفصيلها، ومما يؤسف له ظلّت علاقة المرأة، بما فيها المتعلّمة والمثقفة، مرتبكة بأسرتها من جهة، وبمجتمعها من جهة أخرى، حيث إنها في الغالب تعاني من مسألة التمييز، والضغط عليها وإعاقتها لأجل عدم تبوئها أي منصب يحدّ من سلطة الذكور.
الدكتورة ساميه حسن الساعاتي أستاذة علم الاجتماع بجامعة عين شمس، والباحثة المصرية الذائعة الصيت لها مساهمات غنية سواء في البحث الأكاديمي أو الثقافي، وقد قدّمت للمكتبة العربية العديد من الكتب والأبحاث، منها: "السحر والمجتمع، الجريمة والمجتمع، الثقافة الشخصية، الاختيار للزواج والتغير الاجتماعي.
كتابها "المرأة والمجتمع المعاصر" نشرته مكتبة الأسرة بمناسبة مرور ستمئة سنة على رحيل المفكر العربي ابن خلدون، يتقدّم لقارئه كموسوعة شاملة عن المرأة وقضاياها، إذ يرصد قضايا بالغة الأهمية من مثل: العنف ضدّ المراة، الفقر، التمييز ضدّ المرأة، هذا بالإضافة إلى جملة من الأبواب الجديدة في أطروحاتها ومثالها: "إبداع المرأة الريفية" و "المرأة في المثل الشعبي" و "جرائم النساء".
وتؤكّد المؤلفة في التقديم أن هذا الكتاب هو حصيلة جهد علمي امتدّ نحو عشرين سنة، وقد جاء على شكل أبحاث منفردة كرّستها لدراسة شؤون المرأة المصرية بشكل رئيسي، ومن ثم العربية والعالم ثالثية بشكل عام، وبذلك فإن الكتاب يكشف عن اهتمام مبكّر بدراسة قضايا المرأة يعود إلى بداية السبعينيات وحتّى وقتنا الحاضر.
وقد خصصت المؤلفة الفصل الأوّل من كتابها لأحمد لطفي السيّد، رائد تحرير المرأة في مصر على حدّ تعبيرها، وذلك لأنه، بتعبيرها أيضاً، كان رجلاً يعيش في المستقبل، فقد كان من رواد تحرير المرأة والداعين إلى تعليمها منذ نعومة أظفارها، لكي تكون قبل كلّ شيء إنسانة حرّة مستقلّة، ذات مبادئ ثابتة وأخلاق حسنة. وإلى ذلك فإنها سوف تستعرض جملة من مقالاته المعنية بشأن المرأة في كتابه "المنتخبات" لتؤكّد من ثمّ أن أحمد لطفي السيّد رجل سبق عصره في مطالبته بمنح المرأة الحرية كالرجل، كما دعا إلى إصلاح العائلة باعتبارها أساس الأمة وأساس الرقيّ.
أما الفصل الثاني، فقد بحثت المؤلفة في دور المرأة في المجتمعات الريفية التقليدية وعناصر قوّتها ومدى اتّساق دورها مع الثقافة التقليدية، وكذلك دور المرأة الحضرية في المجتمع المصري الحديث، وبالإضافة إلى ذلك استعرضت قضية تحرير المرأة ودورها في بلورة كفاحها وذاتيتها، ثمّ حقّبت هذه المرحلة بثلاث حقب تبدأ من عام 1870 وحتّى عام 1975، وفي نهاية الفصل تتبّعت أهم الظواهر الاجتماعية المصاحبة لدور المرأة في المجتمع المصري الحديث ومن ذلك ظاهرة الاغتراب، حيث رأت أن المرأة المصرية تعاني اغتراباً شديداً، وتعاني من خلط الدوار، إذ تجد نفسها مطالبة بالشيء وعكسه: "فمطلوب منها أن تتعلّم وتكسب وتستقل، ولكن إذا أبدت أية ممارسة حقيقية لهذا الاستقلال، فإنها تعاقب أشد عقوبة.."
ومنها أيضاً "ظاهرة صراع الأدوار" إذ تشير إلى أن المرأة تعاني على الدوام من زوجها ورؤسائها في العمل، كما انها تقع في اختيار صعب بين دورها كامرأة وزوجة وعاملة.
أما الفصل الثالث فقد تعرّضت فيه لدور المرأة كربة منزل، وذلك من خلال عرض تحليليّ نقدي لكتاب "سوسيولوجيا العمل المنزلي" لمؤلّفته (آن أوكلي)، وهو بمثابة دراسة تتحدى النظرة التقليدية إلى العمل المنزلي، كما أنها تتحدى إهمال السوسيولوجيين، وبخاصة المتخصصين في علم الاجتماع الأسري للعمل المنزلي كموضوع علميّ جاد، ينبغي الكشف عن إيجابياته وحسناته وعن سلبياته.
وفي الفصل الرابع، تناولت دور المثقفات المصريات في التغيير الاجتماعي من خلال بحث تاريخي واجتماعي ركّز على تلك الفئة من المتعلّمات اللاتي تبنين موقفاً ثورياً تجديدياً وساهمن في عملية التنمية، وبذلك فإنهنّ ، وبتعبيرها، الوجه الآخر لقضية تحرير المرأة المصرية، ولكنها في الوقت نفسه تعاني من جملة من المعوّقات، ستعمل المؤلّفة على تحليلها في ختام بحثها.
أما الفصل السادس، فهو يتناول دور الشابات المصريات في التغيير الاجتماعي، بينما يعالج الفصل السابع قضية المرأة والتنمية في مصر، حيث ترى أن للتمية أساساً مادياً وآخر فكرياً، ككما أن لها قطبين: الأوّل اجتماعي، والثاني اقتصادي، وإلى ذلك فإنها سوف تتابع إسهامات المرأة في النظام الاجتماعي الاقتصادي، التي أدّت إلى إحداث التغيير الاجتماعي، وحققت درجة ما من التقدّم.
ويأتي الفصل الثامن من الكتاب ليتناول جسد المرأة، فتؤكّد أن النظرة إلى الجسد ليست نظرة فردية، بل هي نظرة جمعية تتبناها الثقافة، وتنشرها بين الناس بحيث يكون للمجتمع ككل نظرة موحدة للجسد، بصرف النظر عن اختلاف ظروف الأفراد، وإلى ذلك فإنها سوف تقسّم بحثها إلى محورين أساسيين، أوّلهما يتعلّق بتحديد المفاهيم، والآخر يتعلّق بالجسد والمعتقد الشعبي، وهي تقرن ثقافة الجسد بالزمن الجديد، وإلى ثقافة القرن الحادي والعشرين تحديداً، حيث تقول إن تميّز بالدراسات الإنسانية التي اهتمت بالجسد اهتماماً كبيراً، بعد تمّ تغييبه في العصور الماضية، وبتعبيرها، فإن الجسد جزء أساسي من هوية الإنسان، لأن وجوده وجود جسدي في المقام الأوّل، وهو موجود في قلب العمل الفردي والجمعي، كما أنه الأداة الأساسية لاكتساب المعرفة والتعبير عنها، وهو إلى ذلك موجود في قلب الرمزية الاجتماعي، وفي قلب الحضارة الإنسانية، وإلى ذلك فإنها سوف تتطرّق إلى المعتقد الشعبي في النظرة إلى الجسد، ومن ذلك: الزواج، والصفات المرغوب فيها عند اختيار الخطيبة، وبخاصة صغر السن والطاعة وحسن السمعة وطيب الأصل والجمال بطبيعة الحال. لتستنتج في النهاية أن النساء إذ يغتربن عن أدوارهنّ الإنسانية المتعددة والثرية يصبحن مجرد جوار، وسيتحول الجسد إلى مجرد سلعة وعبء يحمل في ثناياه عبودية المرأة.
وتعود في الفصل التاسع إلى الاغتراب، فتبحث قضية اغتراب المرأة في علم الاجتماع المعاصر، لتؤكّد ان المرأة مازالت تعاني من اغتراب يتبلور في شعورها بعدم الفاعلية، وبخلو ما تقوم به من سلوك من معنى، بالإضافة إلى العزلة والغربة الذاتية.
وفي الفصل العاشر بحث في انحراف المرأة، جاء بعنوان "جرائم النساء" وذلك، بتعبيرها، لأهميته في لفت النظر إلى جرائم المرأة بعد كثير من الإهمال واللامبالاة، على أساس ان صورتها الثقافية السائدة عن المجرم أنه: ذكر خارج عن القانون، وأن البحوث في علم الاجتماع الجنائي قد وقعت تحت تأثير تلك القوالب الثقافية، وبالإضافة إلى ذلك ستتناول الطبيعة المتخفية لجرائم النساء والأبعاد الحقيقية لإجرامهنّ.
وينصب الاهتمام في الفصل الحادي عشر على قضية وقاية المرأة من العنف، وصلة ذلك بحقوق الإنسان، ومن ذلك العنف البدني كالضرب والتشويه والاغتصاب، كما بحثت أيضاً في أساليب وقاية المرأة من هذا العنف، والتحديات التي تواجهها.
أما الفصل الثاني عشر، فيأتي عن الموروث الثقافي وتأثيره في ما يخصّ دور المرأة في التنمية بعامة، وفي الإعلام على وجه الخصوص، كما إنه يفحص ميكانيزمات تحجيم هذا الدور أو تفعيله في الواقع المصري والعربي، وإلى ذك فإنها في الفصل الرابع عشر سوف تتوقّف مطوّلاً عند قضية التمييز ضد المرأة والنيل من إنسانيتها، بما في ذلك المساس بحقوقها الشخصية والنفسية والثقافية والسياسية والمدنية على أساس النوع، وبالإضافة إلى ذلك ركّزت على الموروث الثقافي ومقوّمات الثقافة الذكورية وموقف المرأة منها، وأهمية إبراز القيم الإيجابية في الموروثات والرموز الثقافية للإسهام في تغيير أفكار الناس نحو المرأة، وتغيير نظرة المرأة إلى نفسها وإلى ماضيها وواقعها وإمكانياتها والأدوار التي يمكنها القيام بها.
وبالإضافة إلى ما تقدّمنا يضمّ الكتاب فصولاً أخرى عالجت من خلالها قضية المرأة والفقر، والمرأة المصرية في المثل الشعبي، بالإضافة إلى واقع المرأة المصرية من خلال تحليل مضمون شكاواها، وفي الختام ستتوقف عند إبداعات المرأة الريفية.
كتاب كبير في حجمه وفي تنوّع القضايا التي بحث فيها، ويعتبر مرجعاً مهماً للدارسين والمثقفين عموماً.
*المرأة والمجتمع العربي المعاصر، د.سامية حسن الساعاتي، الهيئة المصرية العامة للكتاب، مكتبة الأسرة، القاهرة، 2006.
منقـــــــــــــــــــــــــول
*بيان الكتب.