النظام المدرسي من وجهة نظر الإسلام
* هل يوجد في الإسلام نظام تربوي متكامل يمكن أن نسترشد به في بناء وفهم دور المدرسة؟
ـ لا نجد في النصوص الإسلامية حديثاً مفصلاً عن النظام التربوي وعن المدرسة، بل يوجد فيها أحاديث متفرقة عن المعلم والعلم وضرورته وقيمته مما يمكننا من رسم بعض الخطوط العامة للنظام التربوي الإسلامي المرغوب.
فالإسلام يعتبر العلم قيمة، بحيث يميِّز الواجد لهذه القيمة عن غيره في القرآن الكريم، يقول تعالى: {هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون..} [الزمر:9] أو {...وقل ربِّ زدني علماً} [طه:114] وكذلك يعتبر القرآن مشكلة الكفر مشكلة جهل.
وتؤكد الأحاديث على ضرورة التعلم في الصغر باعتبار أنه كالنقش في الحجر، وأن التعلم في الكبر كالنقش على الماء وما إلى هنالك من أحاديث تؤكد على ضرورة الاهتمام بالعلم. لكن الإسلام يترك قضية وضع النظام التربوي، كمفردات تفصيلية لجهة أسلوب التعليم ومناهج التعلم وما إلى ذلك، ليتركه للإنسان باعتبار أن هذه الأمور تختلف من شعب إلى شعب ومن زمن إلى زمن، لذلك لم يضع له أي تشريع تفصيلي، بل ترك أمر اكتشافه إلى خبرات الإنسان ذاته. ولكن القاعدة الأساس في هذا النظام هي علاء قيمة العلم أولاً، وتنظيم العلاقة بين العالِم والمتعلم، والتي يجب أن تقوم على الاحترام الشديد.
* لماذا هذا القصور الذي نلاحظه اليوم في استنباط النظم التربوية أو إدخالها في التخطيط للمناهج؟
ـ تحتاج عملية التخطيط التربوي لتطور ثقافي عام، لأن العلوم تدعم بعضها بعضاً ويفتح بعضها أمام البعض آفاقاً جديدة. وهو أمر غير متوافر اليوم، بينما كان تطور النظريات التربوية قد انطلق من التطور الثقافي العام الذي عاشه الإسلام خلال المرحلة التي عاشها، سواء في المشرق أو في المغرب.
إن الإسلام قدّم لنا الخط العام الذي يفترض أن نستهدي به للوصول إلى أسلوب تربوي يتفق مع ذهنية الطفل ومع تطور الوسائل والمناهج الموجودة لننتقل من التلقين الساذج إلى الانفتاح بعقل الطفل على الإبداع.
* تعتمد معظم المدارس العربية وحتى الإسلامية على المناهج الأجنبية، في التعليم، هل ترون ضرراً في ذلك؟
ـ في مناهج التربية وأساليبها ووسائلها وحقولها لا عقدة لنا من الأخذ عن الآخرين، الإسلام يؤمن بالتفاعل الحضاري الذي لا يتنافى مع القاعدة التي ينطلق منها كدين. علينا أن ندرس ما يقدم الغرب من وسائل وتقنيات تعليمية ونأخذ ما يتناسب معنا، ويخدم أهدافنا التعليمية.
* ما هو المقصود في الأحاديث الشريفة التي تحضّ على العلم، هل المقصود العلوم العصرية أم الدينية؟
ـ عندما ندرس النصوص، نجد أن المقصود منها العلم كله، فالقرآن عندما يقول: {هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون..} [الزمر:9] أو {...وقُل ربِّ زدني علماً} [طه:114]، لم يفرق بين علم وعلم. وكذلك بالنسبة لما ورد عن أمير المؤمنين(ع): "قيمة كل امرىء ما يحسنه" "اطلب العلم ولو في الصين". فهو لم يُرد منها علم الأديان وقد ورد في بعض الأحاديث المأثورة "العلم علمان علم الأديان وعلم الأبدان".
وعندما ندرس القرآن نجد أن الله يحثّنا على التفكير في خلق السموات والأرض، والتفكير في خلق الإنسان.
إن علوم الطبيعة والحيوان والنبات هي وسائل لتحصيل المعرفة بالله مما يعني أن الإنسان لا بد أن يعرف الكون في كل ظواهره وموجوداته ليعرف علم الدين في هذا المقام، لأن الإنسان يعرف الله من خلال التفكير والعقل، لهذا فإن المراد بالعلم في هذه الأحاديث هو علم الحياة بكل أبعاده. غاية ما هناك أن الإسلام يؤكد على العلم النافع للناس الذي يمكن أن ينتج شيئاً للإنسان، لا العلم التجريدي الذي يحشو ذهن الإنسان بالمعلومات دون أن يعطيه أية نتيجة عقلية تتصل بوجوده في هذه الحياة وبحركته فيها.
* هل نفهم من هذه الإضاءات بخصوص التفكير أن الإسلام يرى أن ندفع بالأطفال ليفكروا وليبدعوا دون أن يتم تلقينهم المعارف تلقيناً أو حشوهم بها؟
ـ إن الحثّ على اكتساب العلم لا يعني حشو ذهن الطفل بالمعلومات ليرددها آلياً دون أن تتحول إلى مظاهر سلوكية أو تدفع إلى ابتكارات إبداعية، بل يعني أمرين:
1 ـ تنمية قدراته العقلية كي يصبح مؤهلاً ليثقّف نفسه ويكتشف الحقائق بجهده.
2 ـ تزويده بالمعارف المناسبة التي تكون حركة في تنمية عقله. ومن الطبيعي أن تنمية العقل تتأكد في تقوية الإدراك وتفعيل الطاقة الذهنية بحيث تصبح المعلومات المعطاة للطفل جزءاً من شخصيته لا مجرد كتب يشكل عقل الطفل وعاء لها.
إن تعليم الطفل يعني أن تؤصل المعلومات داخل شخصيته ليفهمها ويقتنع بها وينتج منها شيئاً جديداً، بحيث توسع مداركه وتنمي حسه الداخلي، إن قيمة العلم هي بمقدار ما يتحول إلى حركة في عقل الإنسان وقلبه وحياته.
وهنا نؤكد شيئاً أساسياً وهو أن العلم في الإسلام يتحرك في خطين، خط التأمل وخط التجربة.
وقد كان خط التأمل الوسيلة الأساس للمعرفة، وجاء الإسلام ليؤكد التجربة كمصدر أساسي ثانٍ للمعرفة، وهذا ما نلاحظه في توجيه القرآن الكريم بالآيات: {فاعتبروا يا أولي الأبصار} [الحشر:2]... {فامشوا في مناكبها..} [الملك:15].
حتى أن الغرب، اقتبس من خلال احتكاكه بالحضارة الإسلامية في الأندلس مسألة اعتبار التجربة وسيلة للمعرفة من الإسلام (ابن رشد وغيره). فقد سبق الإسلام الغرب باعتبار التجربة أساساً لتقدم العلم وطريقاً لاكتشاف المعرفة وهذا كان من الأسباب الرئيسة للتقدم الحضاري التقني الذي نشهد انفجاره اليوم.
* بسبب كثافة المادة التعليمية المقدّمة للولد نلاحظ أن ساعات الراحة المفترضة تتحول لديه إلى ساعات درس ويتحول البيت إلى مدرسة مسائية، ألا ترون في ذلك ظلماً للولد؟
ـ قد لا يكون الاكتفاء بالتعليم المدرسي ضمن جدران المدرسة أمراً ممكناً، إذ إن ساعات الدراسة ونظام المدرسة لا يسمح بذلك، فلا بد إذن من التكامل بين البيت والمدرسة فيساهم الأهل في مساعدة المدرسة بمراجعة وتركيز المعلومات والأفكار في ذهن التلميذ. لكن هذا لا يعني أن يستوعب الطفل كل أوقات الدرس، فنمنع عليه لهوه وعبثه وحريّته وحاجته للانفتاح والانطلاق، فيكون الدرس في ساعة محدودة تضاف إلى ساعة المدرسة دون أن تكون الدراسة على حساب كل الساعات التي يخلو فيها الطفل للهوه ولعبه وممارسة هواياته الطفولية الخاصة، لأن هذا الجو الدراسي المتّصل في البيت والمدرسة، قد يعقّد الطفل، لأنه يؤدي إلى نوع من أنواع القهر الذهني الذي لا يعود معه قادراً على التفكير والملاحظة.
نحن نحمِّل المسؤولية للمدرسة أولاً، باعتبار أن عليها أن توصل التلميذ إلى استيعاب المادة التعليمية، بحيث لا يحتاج إلى أن يدرس على يد مدرِّس خصوصي أو ما إلى ذلك، لأن الحاجة للمدرّس الخصوصي تتأتى عن قصور المدرسة في دورها التعليمي، أما الأهل فيفترض بهم أن يعملوا على التخطيط للوقت الفائض عن المدرسة بما لا يُثقل على الأطفال ويرهق ذهنياتهم مما يمكن أن يؤدي بهم إلى التبلد أو النقمة على المدرسة وعلى الحياة.
إن مهمة المدرسة أن تستخدم الأساليب التعليمية المشوّقة التي تساعد التلميذ على اكتشاف المفاهيم بنفسه، بحيث يسهّل عليه عملية الحفظ والفهم دون جهد في البيت، فلا يستوعب كل وقته، مما ينقلب لديه حباً للعلم والمدرسة والمعلم.
* يعتمد التقويم المدرسي على العلامات التي تشكل عقدة بالنسبة للأهل والتلاميذ، ومصدر ضغط كبير على الطفل، كيف يفترض أن يتعامل الأهل مع سياسة التقويم المدرسي المرتكز على العلامات؟
ـ إن المشكلة الأساسية لا تكمن في العلامة بل بمقياس النجاح الذي درج الناس على تحديده في الشرق خاصة، فهي التي تشكل مقياس التقدم والتأخّر والنجاح والرسوب، وهي التي تقرر مصير الطالب في امتحانات دخول الجامعة أو التقدم إلى أية وظيفة رسمية محددة، إن العلامة ـ بشكل عام ـ لا يمكن أن تكون مقياساً حقيقياً لمستوى الطفل الدراسي، فالطالب قد يستوعب ما قرأه وما درسه استيعاباً كاملاً، ولكن رهبة الامتحان قد تصيبه بنسيان مفاجىء لا يستطيع معه أن يعبّر عن مستوى استيعابه لما يطلب منه في الامتحان، ولهذا فإن العلامة لا تمثّل تقييما دقيقاً لدى عدد من الطلاب، فقد ينجح من لا مستوى له، وقد يفشل من هو في المستوى، لذا لا بد من البحث عن وسيلة أخرى يمكن أن نقوّم من خلالها المستوى الذهني لهذا الطفل أو لهذا الشاب، بعيداً عن العلامة.
إن المنهج التقليدي يتحرك على إيقاع الأرقام المادية في التقويم، لذا عمدت بعض الاتجاهات إلى اعتماد تصور حديث يأخذ بعين الاعتبار مدى تحقق الأهداف التعليمية المرسومة ومدى نشاط وفعالية التلميذ طوال السنة الدراسية مع الأخذ بعين الاعتبار مختلف الظروف التي تحيط بالولد، وبهذا يمكن تحديد مواطن الضعف ومواقع القوة لتتم بالتالي عملية المعالجة وأخذ القرار بأساليب دعم مناسبة.
أما بالنسبة للأهل فعليهم أن لا يصابوا بصدمة في حال حصول ولدهم على علامات متدنية، بل عليهم أن يقرأوا ما وراء العلامة المتدنية، ويحددوا قابليات الطفل، فربّما كان عاجزاً عن استيعاب الدروس النظرية التي يأخذها، فتكون المصلحة آنذاك في توجيهه إلى التعليم المهني أو إلى سوق العمل مباشرة أو إلى أي خيار مفيد للطفل أكثر من الاستمرار في المدرسة. لذلك لا بدّ للأهل أن يدرسوا وضع ابنهم بدقة ويختاروا ما هو أنسب له ولمستقبله.
* أمام التأخر الدراسي الذي يعاني منه بعض الأطفال، هناك من الآباء من يستخدم العنف ومنهم من يعمد إلى ترغيب الطفل بالهدايا أو يلجأ إلى الدروس الخصوصية، في حين يعتبر البعض ذلك التأخر جزءاً من تكوين الطفل باعتبار أنه غبي منذ ولادته... أي المواقف أسلم برأيكَ؟
ـ إن مثل هذه الأحكام المطلقة، ليست ناشئة من دراسة، بل هي ردة فعل أمام مشكلة يحاول الآباء أن يتجاوزوها بشكل سريع، لذلك لا بد لنا من دراسة سبب التأخر الدراسي: هل هو عدم الرغبة في الدراسة وانشغال الولد باللعب أو أنه نتيجة أسلوب التدريس الذي لا يمكّن الولد من الاستيعاب أو أنه ناشىء عن تدنٍّ في مستوى الذكاء بفعل الوراثة وما إلى ذلك، على الأهل أن يدقّقوا في سبب المشكلة ليختاروا الأسلوب الأفضل لمعالجتها.
فقد يكون الولد بحاجة إلى مدرّس خصوصي يعوِّض النقص الذي يتركه أسلوب الأستاذ غير الناحح في إيصال المعلومات، أو أنه بحاجة إلى بعض العنف المبرر شرعاً باعتبار أن ميله إلى الكسل والراحة قد يتغلب عليه فيهدد مستقبله، الأمر الذي يفرض استعمال القسوة المرنة، كي يرجع إلى نفسه وإلى طبيعته.
إن الحالات التي يرجع فيها التخلف إلى غباء الطفل وقصوره العقلي حالات قليلة جداً، فمن النادر أن يُخلق الولد غبياً، ولكن الغباء قد ينشأ عن مؤثرات خارجية قابلة للمعالجة
منقـــــــــــــــــــــــــول للفـــــــــــــــــــــــائـــــــــــــــدة