حضارة بلاد الشام
الأموريون
يُعتَبَر الأموريون أوّل الشعوب العربية القديمة التي هاجرت من الجزيرة العربية باتّجاه سورية، وذلك حوالى 2500 ق.م. فانتشروا في أواسطها وشمالها وشرقها وأسّسوا عدة ممالكٍ من أشهرها: يمحاض وكانت عاصمتها مدينة حلب ومن أشهر ملوكها يارم ليم وابنه حمورابي معاصر حمورابي ملك بابل، ومملكة آسين التي تأسست في بلاد ما بين النهرين.
كذلك كانت الدولة البابلية أمورية. أمّا مملكة ماري (قرب البوكمال في سورية) التي سكنها قبل عام 2500 ق.م أقوام أكادية سومرية فكانت حضارتها تشبه حضارة السومريين. وأخذ الأموريون حضارة السومريين والأكاديين. فازدهرت ماري ازدهارًا عظيمًا وسيطرت على طرق المواصلات التي تصل الخليج العربي بسورية والأناضول قرابة قرنين1750 ـ1950ق.م، لكنّ حمورابي بعدما سيطر على جنوبي ما بين النهرين كلّه سار بجيشه نحو ماري فأخضعها لحكمه ثم دمرها وأحرقها وأصبحت ركامًا من ترابٍ.
أمّا حضارة الأموريين فهي حضارة البابليين في جميع وجوهها.
الكنعانيون
هاجر الكنعانيون مع الأموريين حوالى 2500 ق.م لكنّهم استوطنوا سورية الجنوبية. ولإختلاف تَمَوْضُع الشّعبين تأثر الأموريون بالحضارة السّومرية ـ الأكادية وتأثّرَ الكنعانيون بالحضارة المصرية وحضارة مغرب البحر المتوسط. وانتشر الكنعانيون على طول الساحل الشمالي لسورية. وأطلق اليونانيّون إسم "فينيقية" المُشتَق من فينيقّيين أي الأحمر الأرجواني على القسم المتوسّط والشمال من ساحل سورية، كما أطلقوا إسم "الفينيقي" على الكنعانييّن، سكّان هذا الساحل.
أسّس الكنعانيون ممالك عدة مثل: حبرون، يبوس، بيسان، عمون، مدين، عكو، صور، صيدون، بيروت، طرطوس.
كان الكنعانيون مسالمين بطبيعتهم لا يرغبون في الحرب إلا دفاعًا عن النفس.
الفينيقيون (كنعانيّو الساحل)
لقد أملَت طبيعة المنطقة التي سكنوها على الفينيقييّن أن ينظروا إلى البحار، لأن السهل الساحلي ضيّق حيث شكّلت الجبال سدًا بين المنطقة الساحلية والمناطق الداخلية، لذلك صنعوا سفنهم وركبوا البحر للتجارة فيه. ومن أهم مدنهم أوغاريت (رأس شمرا) في سورية التي نقّب فيها منذ عام 1929 كلود شيفر وتبيّن أنها كانت مركزًا تجاريًا مُهمًا. وفيها اكتُشِفَت أبجديةٌ يرجع عهدها إلى القرن الرابع عشر قبل الميلاد، مكتوبة بالمسمارية وتضمّ ثلاثين حَرفًا. وكذلك مدينة جبيل (بيبلوس) التي كانت علاقتها التجارية مع مصر متينة. وصيدون سيدة الساحل الفينيقي ما بين 1500 ـ 1200 ق.م. وقد سيطر تجّار صيدون على قبرص الغنية بالنحاس، ورودس وعلى عددٍ من جزر بحر إيجة، حيث الرخام والكبريت والذهب والأرجوان. ومدينة صور التي أصبحت زعيمة المدن الفينيقية من1000 ـ 500ق.م. فكانت مراكبهم تجوب البحر الأحمر، حتى وصلت إلى الهند وعادت مُحمّلةً بالتوابل والذهب والأحجار الثمينة، ووصلوا في تجارتهم إلى إنكلترا.
والفينيقيّون هُم الذين أسّسوا مدينة قرطاجة في تونس حوالى عام 804 ق.م والتي تبعت صُوُر ولكنها أشرفت على بقيّة المراكز في غربي المتوسط وكانت ترسل في كلّ سنةٍ بعثةً إلى معبد مِلقارت إله معبد صور وتقدّم إليه عشر وارداتها. وقد ازدادت أهميّة قرطاجة بعد سقوط صور بيد الكلدانيين. إذ انتقل إليها التّجار الصوريون. ولما بدأت الدولة الرومانية بالتوسع اصطدمت بقرطاجة وببطلها الأسطوري هنيبعل الذي غزا إيطاليا نفسها بحروب مشهورة وهي الحروب البونية التي انتهت باستيلاء الرومان على قرطاجة عام 146 ق.م وحرقوها ودمّروها تمامًا.
الآراميون
هاجر الآراميّون من شبه الجزيرة العربية حوالي منتصف الألف الثاني قبل الميلاد واستوطنوا أجزاء من المنطقة الوسطى والشرقية من سورية، ثم تسرّب قسم منهم إلى الشمال وجنوب بلاد الرافدين فاصطدموا بالآشوريين. ومن ممالكهم: مملكة بيت عدن وعاصمتها تل برسيب (على نهر الفرات حاليًا) وامتدّت إلى البليخ شرقًا ومنابع الساجور في الشمال الغربي، وبقيت حتى حوالى 1000 ق.م، ومملكة بيت بخياتي أو آرام النهرين، وعاصمتها غوزانا، وكانت في سفوح جبال الأمانوس الشمالية، وكانت تسمى (بعودي)، أيضًا مملكة حماة ومملكة دمشق. وفي سنة 745 ق.م اجتاح تيجلات بيلاسر الثالث أحد ملوك الآشوريين الممالك الآرامية وهزمها. ولما عادت إلى التّحالف تحت زعامة مملكة حماة هَزَمهم سرجون الثاني في معركة قرقر الثانية عام 720ق.م. فوطّد حكم الآشوريين في سورية.
اعتنى الكنعانيون بالزراعة وخاصة زراعة الكروم والتين والزيتون وعرفوا بعض الأدوات لدراسة الحبوب والتي طحنوها في مطاحن مجربة تدار باليد واستعملوا وزنات من الفضة بدلاً من النقود.
وتفوّق الفينيقيون في صناعة الزجاج والنسيج الصوفي والقطني وصباغة الأقمشة بالأرجوان وهم مِن أوّل الشعوب البحرية في التاريخ. وارتقى فن الملاحة بسبب هذه التجارة الواسعة النشيطة حتى استطاع أدّلاء السفن الفينيقية الإبحار ليلاً مُسترشدين بالنجم القطبي أو النجم الفينيقي كما كان يسميه اليونانيون، وطافوا حول القارة الأفريقية واكتشفوا رأس الرجاء الصالح قبل فاسكودي عام بألفيّ عام.