مع اقتراب موعد الامتحانات الدورية أو النهائية من التعليم بجميع مستوياته، تنطلق شرارة ظاهرة أصبحت مألوفة في الوسط المدرسي المغربي ألا و هي ظاهرة الغش في الامتحانات.
فما هي طبيعة هذه الظاهرة؟ و ما هي أسبابها؟ و ما هي أثارها على مصداقية المعرفة؟
و إذا ما عدنا الى تعريف ظاهرة الغش، فيمكن إعطاؤها تعاريف متعددة، لكونها ذات طابع اجتماعي تربوي.
في القواميس الغربية فكلمة "غش" تعني التصرف بسوء نية و خداع و تطلق على كل التصرفات المخادعة التي تهدف الى تحقيق غايات خسيسة بطرق غير شرعية.
أما في اللغة العربية فكلمة غش تعرف بالتدليس و التزوير، و قد اعتبر منذ القديم عملا منافيا للأخلاق، كما حرمته الشرائع السماوية، و في الإسلام حرم مطلقا لقول الرسول صلى الله عليه و سلم « من غشنا فليس منا ».
و عند حلول الامتحانات يكون هم التلميذ الوحيد هو النجاح و الانتقال إلى المستوى الأعلى أو الحصول على نقطة إيجابية تأهله إلى آفاق جديدة يصبو إليها كيفما كانت الطريقة، فالغاية تبرر الوسيلة، و بذلك تبدأ المعركة بين التلميذ و الأستاذ المراقب ( العدو المدجج ) التي تستعمل فيها كل الطرق الممكنة
و تصبح فيها كل الخدع مباحة و مشروعة.
و أسباب هذه الظاهرة كثيرة و متعددة،
و لا يمكن الإقرار بكون واحد منها هو الأساسي، فمنها ما هو اجتماعي، نفسي، تربوي، و كلها تتكامل فيما بينها و تساهم في ظهور و انتشار هذه الآفة.
أسباب تربوية :
يمكن حصرها في غياب الفهم الصحيح
و الوعي الكامل لأهمية الامتحان، الذي يعتبر في نظر التلميذ وسيلة للتعجيز، و عرقلة لطموحه، و عدم فهم الدور التربوي و التعليمي للامتحان، ثم تجاهل الدور الاختباري للامتحان فيما يخص تحقيق الأهداف الإجرائية و المرحلية في إطار تحقيق الأهداف العامة للتكوين و التدريس أضف الى ذلك البعد الكمي للمقررات و البرامج التي تجعل التلميذ و المدرس في إطار ضيق الشيء الذي يجعل كل محاولة للإبداع أو التغير مستحيلة، كما أن الاعتماد على النسبة و ارتباط النجاح أو الرسوب بعدد المقاعد الشاغرة في المستوى الأعلى.
2. أسباب اجتماعية نفسية :
هذه الأسباب متعددة و متداخلة نظرا لما تثيره في تشكيل شخصية التلميذ و جعله أكثر توازنا في مساره الدراسي، و من أهم هذه الأسباب:
غياب القناعة الشخصية بالذات.
انتشار هاجس البطالة المنتظرة.
انسداد الآفاق المستقبلية أمام المتمدرسين.
إعطاء الامتياز للموروث السوسيوثقافي القائل "عند الامتحان يعز المرء أو يهان".
3. اسباب عامة :
اعتبار قطاع التعليم قطاع غير منتج
و بالتالي لا تعطي له الاهمية و العناية اللائقة به .
غياب تأطير قانوني لمحاربة الظاهرة يجعلنا أكثر انتشارا، فأغلب المدرسين يعتبرون الغش شيئا عاديا، مما يشجع التلميذ على الظاهرة.
*** مقترحات لمحاربة الغش:
يصعب وضع اقتراح أو علاج ناجح لتجاوز هذه الظاهرة، و كل ما يمكن الانطلاق منه هو إعادة النظر بشكل معقلن و عملي في كل المناهج و المقررات المخصصة لأسلاك التعليم ككل. لكن هذا لا يمنع وضع مقترحات
و حلول للتقليل من انتشارها و التحسيس بخطورتها على سبيل المثال.
التوعية بالدور الحقيقي للامتحان
و أهدافه و غاياته وسط التلاميذ و المدرسين.
وضع اسئلة مركزة و دقيقة تخاطب الدهن أكثر من الذاكرة، و تحفز على تنمية مهارات الفهم و التحليل.
وضع سلم محدد و علمي دقيق التنقيط
و ذلك لضمان مبدأ تكافؤ الفرصة.
إعطاء الأولوية في المقررات و البرامج للبعد النوعي بدل البعد الكمي.
و خلاصة القول يبقى المثل الشعبي في الأوساط التربوية هو السائد و القائل: "من نقل انتقل و من اعتمد على نفسه بقي في قسمه " فمن المستفيد؟
أهو من اعتمد على نفسه أم الذي انتقل بعد غشه، و من المتضرر؟ و من يتحمل المسؤولية أمام ما يحدث؟ !.